حلف دفاعي إسلامي- ضرورة لمواجهة التوسع الإسرائيلي وحماية الأمة.

المؤلف: كمال أوزتورك10.23.2025
حلف دفاعي إسلامي- ضرورة لمواجهة التوسع الإسرائيلي وحماية الأمة.

لقد كشفت فظائع الحرب الدائرة في غزة عن حقيقة دامغة، ألا وهي عجزنا الفردي عن الحيلولة دون سفك دماء إخواننا المسلمين أمام مرأى ومسمع منا، وعجزنا عن صون وحماية ديارهم من الدمار الشامل. واليوم، تلوح في الأفق نذر شؤم، إذ أن إسرائيل توجه تهديداتها صوب بلد آخر، ألا وهو لبنان، متوعدة بشن عدوان غاشم عليه، فهل يكتفي العالم الإسلامي بدور المتفرج العاجز، يشاهد تلك الأراضي تتحول إلى ساحة خراب وموت يحصد أرواح الآلاف من الأبرياء؟

وما المصير الذي ينتظرنا؟

تملك إسرائيل في جعبتها رؤية مستقبلية طموحة، تسعى جاهدة لتحقيقها على أرض الواقع، قوامها الاستيلاء على أراضي "أرض الميعاد" المزعومة، وإقامة دولة إسرائيل الكبرى المترامية الأطراف. إنهم مدفوعون بحلم الدولة المثالية، هذا الحلم الذي يراودهم ليل نهار، وعلى الرغم من أن العديد من المسلمين قد لا يؤمنون بإمكانية تجسد هذا الحلم على أرض الواقع، إلا أن الصهاينة يعملون بدأب وإصرار لتحويله إلى حقيقة ملموسة.

دعونا نتذكر أنه قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى، لم يكن أحد ليصدق أن حلم ثيودور هرتزل في إقامة كيان إسرائيلي على أراضي الدولة العثمانية الشاسعة يمكن أن يتحقق، لكنهم نجحوا في تحقيق ذلك في نهاية المطاف، وها هم الآن يسعون جاهدين لتحقيق الحلم الأكبر، حلم "أرض الميعاد" كاملة غير منقوصة.

إذا استمر العالم الإسلامي في هذا التشتت والتمزق والانقسام، وفي إبداء مواقف ضعيفة وهزيلة تجاه ما يجري على مسرح الأحداث في عالمنا الإسلامي، فسنشهد على الأرجح تمدد إسرائيل وتوسعها في المنطقة، ولن يكون هناك من قوة رادعة تقف في وجه هذه الرغبات الجامحة والأطماع المتزايدة. ولكن القضية الأساسية ليست رؤية إسرائيل للمستقبل، بل ما هي خطط العالم الإسلامي لمواجهة هذا المستقبل؟ هل لدى الدول الإسلامية في المنطقة خطة متكاملة لمواجهة توسع إسرائيل وسياساتها العدوانية؟ أم هل لديها رؤية مشتركة للمستقبل تضمن لها الأمن والاستقرار والازدهار؟

إذا نظرنا بعين فاحصة من نافذة الواقعية السياسية، عندما نمعن النظر في حال وسياسات الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي الـ57، نجد أنه من الصعب للغاية، بل من المستحيل، وضع هدف مشترك تسعى جميع هذه الدول لتحقيقه. فكيف يمكن لعشرات الدول التي تعادي بعضها بعضًا وتتنازع فيما بينها على السلطة والنفوذ أن تتفق على رؤية مشتركة للمستقبل؟ أليس هذا ضربًا من الخيال؟

ضرورة إنشاء حلف دفاعي

في مثل هذه الظروف العصيبة، دائمًا ما أستحضر تأسيس الاتحاد الأوروبي كمثال حي وملهم. ففرنسا وألمانيا وإنجلترا وإيطاليا خاضت حروبًا طاحنة فيما بينها، أدت إلى دمار هائل وخسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، لكنها سرعان ما بدأت العمل الجاد على تحقيق الوحدة والتكامل فيما بينها فور انتهاء الحرب العالمية الثانية. فكيف تمكنت هذه الدول من تجاوز خلافاتها التاريخية وتوحيد صفوفها بعد حرب تسببت في مقتل ما يقرب من 70 مليون شخص؟

اليابان والولايات المتحدة خاضتا أشرس وأكثر الحروب دموية في التاريخ، ولكنهما تحالفتا فيما بينهما لمواجهة صعود الصين كقوة عالمية.

أليس حلف شمال الأطلسي (الناتو) منظمة مشابهة؟ تركيا واليونان لا تتفقان على أي شيء تقريبًا، لكنهما تتعاونان بشكل وثيق في مجال الدفاع والأمن.

إذًا، لماذا لا تتّحد الدول الإسلامية على الأقل في الحد الأدنى من القواسم المشتركة التي تجمعها؟ على سبيل المثال، لماذا لا تتحد لمواجهة السياسات العدوانية والتوسعية التي تنتهجها إسرائيل في المنطقة؟

ينبغي أن ندرك جيدًا أن حلم "أرض الميعاد" لا يقتصر فقط على الأراضي الفلسطينية المحتلة، بل يعتبر أراضي لبنان وسوريا والأردن وتركيا والعراق والسعودية ومصر وإيران أيضًا ضمن الأراضي المستهدفة التي تسعى إسرائيل للسيطرة عليها.

إذا كان حلف الناتو قد تأسس في الأساس لمواجهة خطر التوسع الروسي، فلماذا لا تستطيع الدول الإسلامية إنشاء حلف دفاعي قوي لمواجهة الخطر الإسرائيلي المتزايد؟ السبب الرئيسي يكمن في ضعف الإرادة السياسية لدى الأنظمة الرسمية الحاكمة في معظم الدول الإسلامية، فمعظم هذه الأنظمة تعيش في عزلة تامة عن شعوبها، ولا تفكر بجدية في الأخطار الجسيمة التي تحيط بعالمنا الإسلامي وسبل مواجهتها والتغلب عليها.

لكن، إذا أجريت أي استطلاع رأي عام نزيه وشفاف في أي بلد إسلامي، فستجد أن الشعوب المسلمة بأغلبية ساحقة ترغب في الوحدة والتكامل، والتحرك المشترك لمواجهة التحديات المشتركة، والتوحد في صف واحد ضد العدوان الإسرائيلي المستمر.

حتى احتلال غزة والمجازر المروعة التي ارتكبت بحق المدنيين العزل لم تجعل هذه الأنظمة تستيقظ من سباتها العميق، ولا أعتقد أن أي شيء آخر يمكن أن يفعل ذلك؛ لذا يمكننا أن نفقد الأمل في أي تحرك جاد يسهم في وقف الإبادة الجماعية التي يتعرض لها سكان قطاع غزة المحاصر.

لكن أملي يظل معقودًا على الشباب المسلم الواعي والمثقف، فهم يرون الأخطاء المتراكمة أمام أعينهم، وأنا على ثقة تامة بأنهم في المستقبل لن يرتكبوا هذه الأخطاء الفادحة التي ارتكبها من سبقهم، ولكنهم سيتبنّون رؤية جديدة أكثر شمولية وعقلانية، رؤية تقوم على الوحدة والتضامن والتعاون لتحقيق النهضة والتقدم والازدهار لعالمنا الإسلامي.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة